الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر
كاتب الموضوع
رسالة
محمود الأعصر
عدد المساهمات : 34 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 21/08/2009
موضوع: الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر الأربعاء سبتمبر 02, 2009 11:54 am
الحب !!؟؟ خلق الله الإنسان وغرس فيه ما غرس من فطرة وشهوات وغرائز لا انفكاك له منها ولا خلاص ، ومهما حاول ابن آدم الاعتراض والتغيير والتمرد فالله قاهر جل وعلا فقد قال سبحانه : [ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ](الأنعام : 18) . فمِنْ قهره لهم أن جعل من الغرائز محركاً للإنسان تسير به وَفْقاً لسيرورة الطبيعة وانسجامها الذي أوجده الله عز وجل فقد قال تعالى : [ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ](فاطر : 43) . فمهما عاكس الإنسان الطبيعة أو سار بعكس التيار فهو بأحد أمرين : إما الدمار والزوال ؛ لأن مشيئة الله حاصلة لا محالة ، وإما الاستسلام والعودة إلى المسار الطبيعي للحياة . فلا يظن أحد أن في ذلك ظلماً أو قهراً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً لكنه نوع من السنة الكونية والنظام الطبيعي الذي به تستمر الحياة وَفْقاً لما قرره الله وشاءه ، فهو الخالق المالك ، وحق له ذلك ، فتلك الغرائز من جهةٍ رحمةٌ ونجاةٌ للإنسان إذا وُظِّفت التوظيف الصحيح ، ومن جهةٍ أخرى نقمة وخسارة إذا حادت عن الطريق وجارت . ومن هذه الغرائز التي أوجدها الله في بني آدم غريزةُ الحب ؛ وهي من أجمل وأرقِّ الغرائز التي يحملها بين جنباته ، فبها تنشأ العلاقة بين الأم وطفلها ، وبين الزوجين الذكر والأنثى ، وبين الأخ وأخيه . يتعدد الحب واتجاهاته ، فينقسم إلى : 1- حب فطري 2- وحب مكتسب * فالحب الفطري : كالذي ذكرنا من الحب الأم لطفلها والأخ لأخيه والأب لأبنه... فالإنسان مجبول على ذلك الحب فهو موجود في قلبه منذ ولادته ، فترى البنت ( الطفلة الصغيرة ) دائمة اللعب بالدمية التي هي على شكل عروسة ، وتراها تحتضنها وكأنها ابنتها ، وما ذاك إلا لوجود مشاعر الأمومة بداخلها دون أن يوجدها فعل الزواج الحقيقي ، لأنها مفطروة علية ، وكذلك الأب لا يفتعل الحنان والعطف عندما يكون ولده به ألم أو غير ذلك انه الحب الإلهي الذي يحركه ويدفعه إلى أن يضحي من أجل إسعاد ولده وإنما يحتاج أن يتحكم في نفسه في حال أن يقسو عليه ليؤدبه وذلك لأن قسوته على ولده بخلاف الفطرة التي خلقه الله عليها من حب الذرية والإحسان والتضحية من أجلها ، وهكذا فالحب الفطري مولود مع كل إنسان ولم يكتسبه مع مرور الزمن ، أو يتعلمه من أحد . * الحب المكتسب : وهو ما طرأ على الإنسان نتيجة المعاملة والاختلاط ، كحب الزوجة مثلاً فهي لم تكن موجودة في حياته من بدايتها ، وإنما وجدت في مرحلة ما .. سواء أحبها أولا ً ( كنتيجة للاختلاط في الدراسة أو العمل ) كما سيأتي ، أو أحبها بعد الزواج من دوام العشرة والمودة والرحمة وحسن المعاملة بينهما ، وهذا من الحب المكتسب . وتركيزنا في هذا الطرح سيكون على الحب المشتهر بين الجنسين الذكر والأنثى ، أي : الحب بين الرجل والمرأة على سبيل الإيضاح لا الحصر . هذه الغريزة التي ينجذب بوجودها الذكر إلى الأنثى وبالعكس ؛ مؤدياً ذلك إلى الالتقاء ثم التناسل والتكاثر ؛ فبانعدامها تنعدم البشرية ويحل محلّها النفور والفراق . فتخيلوا أنها لم تكن موجودة ؛ فأيُّ قوة في الكون كانت ستجبرهم على العيش معاً والاستمرار مع وجود الرغبة والإرادة في ذلك ؟ في الظاهر لنا إذا رأينا زوجين فلن يخطر ببالنا أن أحداً قد أجبرهما على العيش معاً ؛ كتهديد بالسلاح أو بالقتل أو ما شابه ذلك ، لكن القدرة الإلهية أجبرتهم على ذلك بكل رفق وطواعية ، وهنا يتجلى لنا القهار جل جلاله ليرينا قدراً من عظمته وصفاته في قهره الزوجين ليعيشا معاً طائعين مريدين وليتكاثرا ولتستمر البشرية . "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير والمقنطرة من الذهب ...." قصدت مما ذكرته سابقاً أن أوضِّح أن الحب الذي يقع بين الذكر والأنثى .. بين الشاب والفتاة هو حب لا إرادي ينتج عن غريزة وضعها الله في الإنسان منذ خَلْقه لا يدَ له فيها ( وهذا لا يتنافى مع أنه حب مكتسب وليس فطري إذ أصل الحب من المشاعر المجبولة في الإنسان ، لكن أن يحب فلانة بعينها ، هذا هو الحب المكتسب )، بمعنى : أن الحب حين يُقذَف في قلبه أو قلبها فهذا أمر لا إرادي ؛ فلا أحد يمكنه أن يجبر نفسه على حب شخصٍ ما ، مثله في ذلك كسائر الغرائز الأخرى ؛ كأن يجبر نفسه على الجوع أو النعاس وغير ذلك . قال الشاعر : وما الحب إلا شعلة قدحت بها عيون المها باللحظ بين الجوانحِ لكن ما يُعدّ اختيارياً وإرادياً ويندرج تحت إرادة الإنسان وفعله هو الأسباب التي أدَّت إلى حدوث هذا الحب وغرسه في القلب . ومن هذه الأسباب : التمادي في الاختلاط والتعامل غير المحدود بين الرجل * والمرأة مما نراه في الوظائف أو الجامعات وغيرها مما قد يؤدي إلى نشوء علاقات حب قد تنتهي بالزواج في بعض الأحيان إن لم تتجه اتجاهاً خاطئاً ، وقد قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : « لا تخلونَّ بامرأة وإن كنت تعلِّمها القرآن » ، فحذَّر من هذا النوع من الاختلاط وإن كان تحت مظلة شرعية أو حتى أجلِّ الأعمال كتعليم القرآن . وسبب آخر يدفع ضريبته مستخدمو التكنولوجيا الحديثة كالإنترنت الذي لا تستطيع أن تحصي عدد المشاكل والقصص العجيبة والنتائج الوخيمة التي قد يؤدي إليها الاستخدام السيِّئ لهذه التقنية ، فكم وكم من قصص الحب التي تكوَّنت من خلاله مع ما تحمله من خداع وكذب في أغلب الأحيان ؛ فتكون النتيجة أن نسمع بقصص تجعل الولدان شيباً ! فمثل هذه الأسباب وغيرها هي مما يُعدّ إرادياً في السير خلف الشهوات وتتبُّع خطوات الشيطان إلى أن يصلوا إلى الحب الذي هو شعور وغريزة لا إرادية نتجت عن تساهل في بداية الأمر ، فيقع على الإنسان ذنب بسبب إتباعه الهوى وترك المجال للشيطان وللغرائز بالاستثارة ؛ فيا لهذا القلب إذا وافق قول الشاعر : أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكَّنا وقد قال بعضهم : لم أرَ حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحقٍّ من العشق ، هزلُه جِدٌّ وجِدُّه هزلٌ ، وأوله لعب وآخره عطب . فهذا الأمر لا يُستهان به حين نطلق العنان والقيود للرجل والمرأة أن يقتربا ويتعاملا في كثير من جوانب الحياة . أما المشكلة الأساس في كل هذا فهو ما يتعرَّض له الشباب المتديِّن والملتزم من شعور بالتناقض والصراع النفسي والضياع ، وأحياناً قد يؤدي إلى ردّة فعل عكسية تبعدهم عن الدين ؛ لجهل أو لغياب المُعين والمرشد . وهذا الصراع سببه تعرُّضهم للحب ؛ فالشباب المتديِّن ليس حَجَراً أو ملاكاً منزَّهاً عن الشهوات وإثارة الغرائز ، ففي حال وقع شاب متديِّن في الحب كأن يكون زلَّ وراء شهوة أو تدرَّج في أمر أوصله إلى الحب من غير قصد فالعبد الصالح ليس هو العبد المعصوم عن الخطأ والذنب ، بل هو العبد التواب الذي يذنب ويتوب مهما بلغ هذا الذنب فَيَصل إلى مرتبة حب الله له كما قال تعالى : [ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ](البقرة : 222) . فهذا الشاب في مقتبل عمره وعدم نضوج تديُّنه وعلمه يكون قد كرَّس نفسه وقلبه ومشاعره لحب الله وحده ، وتراه يحاول جاهداً البحث والعمل بكل ما يرضي الله ؛ ليصل إلى درجة حب الله له وتقليد سابقيه من الصحابة والعظماء . وفي خضمِّ هذا الشعور الرائع من الحب والطاعة والارتقاء الروحاني والنفسي يصطدم هذا الشاب في يوم من الأيام بما خبأه القدر له لسبب أراده الله - تعالى - فيقع في قلبه حب آخر من نوع جديد ومختلف يحرك الساكن فيه ويفتح ما أغلقه من قبل ويرسم أمامه أفقاً واسعاً لا يعرف كنهه ولا يدرك خيره من شره ، فيشغل هذا الطارقُ الجديد عقلَه وفكره وحواسَّه وحتى قلبه الذي قد كان حجزه لله ، جل جلاله . ولكن ما هذا ؟! ما هذه المشاعر التي دمَّرت كل ما تمَّ بناؤه في شهور وربما في سنين ؟! على من يقع الخطأ في هذا التحول المفاجئ ؟ والكثير الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهن هذا الشاب المسكين الذي هداه الله إلى طريقه المستقيم ، لكن هذا هو قدر الله في كونه هداية ثم ابتلاءً ثم تمحيصاً ، قال - تعالى - : [ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ](العنكبوت : 2) . فهذا الشاب أو الفتاة هما الآن في فترة من الصراع الداخلي الشديد بين حب الله الذي جاهدا في غرسه وتنميته ، وبين حب من نوع جديد ، حب بين ذكر وأنثى . وما يحير الشباب في هذه المحنة هو الشعور بالذنب : أهذا الحب الجديد محرَّم ؟ أم أن قلبه لا يستحق ، وليس مؤهَّلاً لحمل حب الله في أحشائه ؟ كيف له أن يجمع بين الحبَّين ؟ فلنخرُج من هذه الأزمة التي قد تحيِّر كثيراً من الشباب الملتزم ولو بحلٍّ جزئي يضفي قليلاً من الراحة النفسية والشرعية على أفعاله ؛ فكل ما عليه فعله هو أن يأمر قلبه برفع شعار ( الله أكبر ) وأن يشمِّر للجهاد تحت راية : [ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى ](النازعات : 40-41) ، فيعلن الحرب ضد نفسه حرباً مفتوحة يرجو فيها النصر
الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر