الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر (2)
كاتب الموضوع
رسالة
محمود الأعصر
عدد المساهمات : 34 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 21/08/2009
موضوع: الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر (2) الأربعاء سبتمبر 02, 2009 11:58 am
فالنفس هي من ألدِّ الأعداء للإنسان ومن مسبِّبات المعاصي والزلات التي تنتج عن إتباعها ، وقد كان الرسول - - يتعوذ من شر نفسه فيقول : « أعوذ بك من شر نفسي » . ولإيضاح أهم سبب في هذه الحرب وأحكامها فلننظر إلى هذين الشعورين المتضاربين من حبٍّ لله وحبٍّ لعباد الله ؛ سواء في ذلك الذكر أو الأنثى ؛ فحب الله تعالى يختلف تمام الاختلاف عن حب المخلوق ؛ فلكلٍّ اتجاهاته ورغباته ومتطلباته. فحب الله موجود ومعروف شرعاً لا شك في ذلك ؛ فقد قال - تعالى - في الحديث القدسي : « لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه » ، فأثبت سبحانه لنفسه حبه لعبده ، وقد قال تعالى : [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ](آل عمران : 31) ، وأثبت أيضاً حب عباده له الذي ينتج عنه طاعتهم له وحرصهم على كل ما يقرِّبهم منه ؛ رغبةً في رضاه وحباً بجلاله وما يمدّهم به من النعم ؛ فقد قال - - : « أحِبوا الله لما يغذوكم به من نعمه » ( رواه الترمذي ) . فنرى هنا جمال استقرار حب الله في قلب العبد والتعبُّد تبعاً له ، ونرى كيفية هذا الحب بما يفرضه من إتِّباع تام واستسلام مطلق وتفضيل لا منازع له ، فهو لله ومع الله وبالله ، فالله لا يرضى الشريك في عبادة ولا حب ولا إخلاص ، فهو المتفرد بقلوب عباده وأفعالهم ، يأبى الشريك ، جل جلاله ؛ فمن أحب غيره على حبه وفضله عليه فقد هلك ووضع أفعاله ومشاعره في غير موضعها وبخس الله حقه وخسر الكثير ؛ بالمقارنة مع من أحب الله حباً خالصاً . ومن هنا ندخل إلى المشكلة التي تنشأ عند طروء حب جديد على القلب من نوع آخر قد يتعارض مع حب الله مما يسبب الارتباك والخوف عند الشاب . ذكرنا سابقاً أن الحب غريزة ثابتة حتمية لا مفرَّ منها تقع بغير إرادة العبد ؛ لذلك يستحيل علينا أن نأمر إنساناً بأن لا يحب ؛ لذلك نقول : إن الحب بين الجنسين يكون حباً حلالاً إذا وُضع في إطاره الصحيح وَفْقاً لشروط ومعايير شرعية ، وكذلك يصبح الحب محرَّماً إذا وُضع في إطار خاطئ شيطاني مثله مثل سائر الغرائز التي قد تُفرَّغ في الحلال أو في الحرام . وللجمع بين هذين الحبين على الشاب أن يرفع شعار ( الله أكبر ) ونعني بذلك : أن يكون الله وطاعته وإرضاؤه وإتِّباعه أكبر من كل صغير وكبير من أمور الدنيا ومن ذلك الحب . فحب الذكر للأنثى والعكس يجب أن لا يؤثِّر على تعبُّده وطاعته لله - تعالى - فليحب بعضهم بعضاً كيفما شاؤوا وبالقدر الذي يشاؤون ولكنْ داخل الإطار الشرعي من خطبة و زواج ، لا على حساب الدين أو الإخلال بحق الله . فهذا سيد الخلق - - كان يحب عائشة - رضي الله عنها - حباً عظيماً ، وفي سيرته الكثير مما يدل عليه ، ومع ذلك وازن - - بين حب الله - تعالى - في قلبه وهو خليل الرحمن وبين حبه لزوجته ؛ حيث سُئلت عائشة - رضي الله عنها - : « ما كان النبي - - يصنع في البيت ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله ، فإذا سمع الأذان خرج » . فتلبية نداءِ اللهِ أكبرُ عنده - - من حب أهله . فإذا عرض للإنسان ذِكْرُ الحبيب في كل وقت فأصبح ذكره لا يفارق قلبه ولا عقله وجب عليه هنا أن يجبر نفسه على التقليل من هذا التفكير وشغل مكانه بذكر الله والاستغفار ، فيكون الله في قلبه أكبر من حبه لمحبوبه ، كمثل سامع نداء المؤذن ( الله أكبر ) يلبي للّقاء برب السماء ، وكمثل مكبِّر في الصلاة نابذ للدنيا وراء ظهره . وقِسْ على ذلك جميع العبادات . قال - تعالى - : [ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ](التوبة : 24) . فدلَّت الآية على تفضيل حب الله وطاعته على كل ما ذُكر من تلك الأصناف المباحة ، وبهذا يستطيع الجمع . لكن القول سهل والفعل صعب ، إلا على من كان الله في عونه . فَلِيحققَ الشاب هذه الدرجة من التفضيل والاختيار عليه أن يتسلَّح ويعدّ العدة للجهاد ألا وهو جهاد النفس فيكون سلاحه قوله - تعالى - : [ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى ](النازعات : 40-41) ، فهو بين عملين جليلين يضمن بهما دخول الجنة ، فأحدهما أن يخاف مقام ربه بما يتضمنه ذلك من خشية الله والخوف من عقابه وغضبه وناره ، وحتى الخوف من نزع البركة والتوفيق والمعيِّة من العبد في الدنيا ؛ فيتجلى له الخوف من رب الأرباب عند كل ذنب يكاد أن يقترفه أو حتى قد اقترفه فجَبَرَ ذلك بالتوبة النصوح فبوجود هذا الخوف واستحضاره في حياته يصل بعده إلى درجة أن ينهى نفسه عن الهوى ؛ نتيجة لخوفه من الوقوف بين يدي الله يوم الحساب ، فيجتهد ويجاهد نفسه عن كل هوى وإتِّباع شهوات تؤدي إلى معاصي الله حتى ولو كان هذا الهوى هو انشغاله بالمباحات وتفضيلها على طاعة الله والقيام بواجباته حق القيام ؛ فيرى نصب عينيه هذه السلسلة المتلازمة من شهوة ، ثم ذنب ، ثم عقاب ، فيقف عند ذلك ويعود إلى رشده ، وقد قيل : اقْدَعِ النفسَ بالكفاف وإلا طلبتْ منك فوق ما يكفيها فالنفس إن لم تكفّها وتعفّها وتحدَّ من جماحها هاجت وقادت إلى الخسران الأكيد ، وإنك إن عذبتها وأتعبتها أرحتها في الآخرة ؛ فكما يُداوى المريض بالدواء العَلْقم ليصحَّ ، كذلك النفس تُعالج بالكبح والعذاب لتستقيمَ وتطيبَ ؛ فتصل إلى درجة النفس المطمئنة ؛ فتحشر مع عباد الله المرضيين إلى جنة النعيم . ـــــــــــــــــــــــــــــــ * وله أسباب كثيره ومنها خروج المرأة كاشفةً لوجهها أو متبرجة مما يجعلها تقع في قلب من يراها ، والخضوع بالقول وهو اللين في الكلام والترقق مع الرجال وهذا قد يورث أيضاً حبها دون إن يرى الشاب شكلها إن كانت جميله أو قبيحة بل ويورثه العشق الذي قد يتسبب في مرضه إن لم يظفر بها – وذلك مشتهر في هذه الأزمنة مع وجود غرف الشات والنت ، وخاصة مع قلة الدين والعلم وانعدام التربية الإسلامية الصحيحة ، وفي ظل غلاء المهور وغيبة أولياء الأمور ، وكثرة البطالة وسوء الحالة الاقتصادية ، مما يجعل الكل ( من الشباب والفتيات ) يهرب من واقعه إلى شاشة الكمبيوتر ليرى عالما آخر أشبه بالخيال منه إلى الواقع ، حتى أن الأمر يصل بهم إلى ممارسة الفحشاء عبر هذه الوسيلة ، (ويراجع في ذلك كتابنا القول الجلي في مساويء التبرج الجاهلي) ومن باب العدل والإنصاف أن نقول أن البعض قد جعل من هذه الوسيلة ( غرف الشات ) منبر للدعوة إلى الله فجزاهم الله خير الجزاء
الحــــب بين المشروعية والعدة /من تاليف محمود الأعصر (2)